کد مطلب:309785 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:272

القسمت 22


الخیول تدك بسنابكها الأرض علی طول الخندق و قد مضت اسابیع ثلاثة... كان مع النبی ثلاثة آلاف.. ولكن ثلاثة أسابیع من الخوف و الرعب كافیة لامتحان إرادة الإنسان... فی المساء و عندما یخیم الظلام تنسل أطیاف كالاشباح.. و قد ابتلی المؤمنون و زلزلوا زلزالاً شدیداً.. و رفع «ابن قشیر»- و كان رجلاً ذا وجهین- عقیرته:

- محمّد یعدنا كنوز كسری و قیصر.. وأحدنا الیوم لایأمن علی نفسه أن یذهب إلی الغائط.

مضت أسابیع أربعة.. ولا شی ء سوی مناوشات بالسهام.. والریاح ما تزال تعصف بشدّة.. تمزّق الخیام و تقلب القدور و تطفی النار.. و لم یبق مع النبی إلا تسعمئة من الذین امتحن اللَّه قلوبهم بالتقوی.

و فی لیلة سوداء كسواد الكحل مدّ الرسول كفیه إلی السماء ینشد


نصر اللَّه:

- اللّهم منزل الكتاب، سریع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم و انصرنا علیم و زلزلهم اللهم ادفع عنّا شرّهم، وانصرنا علیهم، واغلبهم لا یغلبهم غیرك.

أضاءت نجمة فی السماء.. و قد غضبت الریح فراحت تعدو مجنونة بین القبائل.

قال النبی و قد استدعی «حذیفة»:

- اذهب فادخل فی القوم فانظر ماذا یفعلون و لا تحدثن شیئاً حتی تأتینی.

وانطلق «حذیفة» عبر الخندق و تسلل بین خیام مزّقتها ریاح الشتاء.. كان الظلام دامساً وراح یتلمس طریقه إلی خیمة أبی سفیان حیث تحاك خیوط العناكب.

دس حذیفة نفسه فی زاویة مظلمة و أخذ مكاناً بین رجلین كانا یحدقان بأبی سفیان. قال صخر بن حرب متوجساً:

- یا معشر قریش لیتعرف كل امرئ جلیسه واحذروا الجواسیس والعیون.

هتف حذیفة وهو یشدّ علی ید جلیسه:

- مَن أنتَ؟


- معاویة بن أبی سفیان.

- وأنت؟

- عمرو بن العاص.

خفتت الأصوات و قد بدا حذیفة كأحدهم. قال أبوسفیان:

- یا معشر قریش انكم ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف... واخلفتنا بنوقریظة العهد ولقینا من شدّة الریح ما ترون.. ما تطمئن لنا قدر و لا تقوم لنا نار و لا یستمسك لنا بناء فارتحلوا فانی مرتحل.

انفجرت السماء بالصواعق.. وهطلت الأمطار غزیرة.. وهبت الریاح شدیدة.. تجتثّ الخیام و تبثّ الرعب فی القلوب...

فكر «طلحة بن خویلد» أو لعلّه رای أشباحاً تعبر الخندق فهتف مذعوراً:

- انّ محمداً قد عبر الیكم باصحابه... فالنجاة النجاة.

تمزقت جیوش الأحزاب؛ مزقتها الریاح و جنود لم یروها حتی اذا أطلّ الصباح كان كلّ شی ء هادئاً فی الجانب الآخر من الخندق.

وأرسل النبیّ «حذیفة» مستطلعاً فاذا كل شی ء یشیر إلی هزیمة ساحقة.. الخیام الممزقة متناثرة هنا و هناك.. و أكوام التبن.. ومواقد منطفئة و قدور منكفئة.. والرماد یغطی الأرض الموحلة، وعاد


«حذیفة» یحمل البشری.

وأصدر النبی أمره بالعودة إلی المنازل بعد ثلاثین یوماً من الحصار و الخوف و القلق.

و كان بنوقریظة منكمشین فی حصونهم یترقبون بخوف المصیر الذی ینتظرهم... فالغدر یعقبه انتقام.

هاهی الأفاعی تلوذ بجحورها و تمدّ ألسنتها متوجسة..

هتف الرسول؛ وقد حانت لحظة الاقتصاص:

- مَن كان سامعاً مطیعاً فلا یصلّین العصر إلّا فی بنی قریظة.

هزّ النبیّ اللواء ودفعه إلی علیّ:

- كُن فی مقدمة الجیش واسبقنا إلی بنی قریظة.

وانطلق علیّ واللواء یخفق فوق رأسه حتی اذا دنا من الحصن ركزه فی الأرض بقوة وأیقن الذین مسخوا قردة و خنازیر انها الحرب ولا شی ء سواها.

وسمع علیّ شتائم تنهال علی النبی الأمّی فهتف بغضب:

- السیف بیننا و بینكم.

و استمر الحصار عشرین یوماً... و المناوشات بالسهام و النبال مستمرة.. والشتائم تنهال من فوق جدران الحصون فهتف النبیّ:

- یا اخوان القردة!.. هل أخزاكم اللَّه و أنزل فیكم نقمته.


وشن علی أول هجوم عنیف، فارتفعت رایة بیضاء فوق الحصون.. و كان الاستسلام دون قید أو شرط.

وهتف سعد وقد رضی الجمیع حكمه:

- آن لسعد أن لا تأخذه فی اللَّه لومة لائم.

كان سعد یعرف «توراتهم» حیث حرّفوا الكلم عن مواضعه لیسوموا البشر الموت و الفناء...

كان یدری ما فی الاصحاح من التثنیة من ریح صفراء لا تبقی و لا تذر «حین تقترب من مدینة لكی تحاربها استدعها إلی الصلح فان أجابتك الی الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فیها یكون لك للتسخیر و یستعبد لك و ان لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها واذا دفعها الربّ الهك إلی یدك فاضرب جمیع ذكورها بحدّ السیف، و اما النساء والأطفال و البهائم و كلّ ما فی المدینة غنیمة تفتحها لنفسك و تأكل غنیمة اعدائك التی أعطاك الرب الهلك».

و أذاقهم سعد حكم التوراة و كانوا أذاقوها الأمم.

وهكذا تساقطت رووس الخیانة و الغدر.. و سقط رأس حی بن أخطب مخطط فكرة الغزو والفناء وفر السامریّ إلی «خیبر» لا یفتأ یعبد العجل من دون اللَّه.